مصر بين الدولة الدينية و الدولة المدنية 2


مصر بين الدولة الدينية و الدولة المدنية 2



كتبه الشيخ / محمد القاضي

بسم الله و الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم اما بعد
فالدولة المدنية تشمل  اكثر من معنى و بالتالى لابد من تحرير محل النزاع فى معناها :
فالدولة المدنية تشمل الدولة التي تخضع لمبدأ المشروعية ، فيتولى السلطة فيها حاكم منتخب من قبل الأمة ، ويخضع الجميع فيها حكاما ومحكومين لقواعد قانونية مقررة سلفا ، وتحرص على الأخذ بأسباب الرقى والحضارة ما وسعها سبيل إلى ذلك ، والدولة المدنية بهذا تقابل :
- الدولة العسكرية التي يستبد بالحكم فيها حاكم عسكري يعتمد على ما يسمى بالشرعية الثورية في استبداده بتصريف الأمور .
- أو تقابل الدولة البدائية الهمجية التي لا يزال يعيش أبناؤها خارج حركة التاريخ .
 و الدولة المدنية تعنى  الدولة العلمانية  التي تفصل الدولة عن الدين ، وتطلق سلطان الإرادة البشرية بلا حدود !
ولا يخفي أن المنازعة لا تدور حول الدولة المدنية بالمفهوم الأول ، فإن مبدأ خضوع الكافة في المجتمع الإسلامي للقانون وحق الأمة في الهيمنة على حكامها تولية ورقابة وعزلا من الأصول المحكمة في باب السياسة الشرعية ، وقد استفاض العلم بذلك في كتب المسلمين  الأولين منهم والآخرين ، بدءا بالمأثور من مقالات الخلفاء الراشدين ومرورا بكل من جاء بعدهم من أئمة العلم والدين، كما أن وجوب الأخذ بأسباب الرقى وعمارة الأرض من الفرائض التي لم ينازع في أصل وجوبها أحد من المسلمين .
لم يبق إذن من معاني الدولة المدنية إلا المفهوم الثاني : النموذج العلماني الذي يفصل الدولة عن الدين ، وينقل مصدرية الأحكام من الكتاب والسنة إلى الإرادة البشرية المطلقة ، ويتحاكم في كل شئونه العامة إلى غير ما أنزل الله  ويعتمد المواطنة وحدها أساسا للانتماء ومعقدا للولاء والبراء .

ولذا عند تحرير محل النزاع فلكل قد اتفقوا على  أن الدولة الدينية التي تحكم بالحق الإلهي  مرفوضة من الجميع ، والدولة المدنية التي تخضع لمبدأ المشروعية ويتولى السلطة فيها حاكم منتخب من الأمة مقبولة من الجميع، وانحصر  الخلاف في مرجعية هذه الدولة:-
هل تقبل الدولة بمرجعية القرآن والسنة فيما يتعلق بأمور الحكم والسياسة فتكون دولة إسلامية ، أم تعزل الكتاب والسنة عن الحاكمية فتكون دولة علمانية  ؟
فإذا كان القبول بمرجعية الشريعة وحاكمية القرآن والسنة من الثوابت المحكمة في دين المسلمين
لقوله تعالى   :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً{59} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً{60} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً{61} فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً{62} أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً{63} وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً{64} فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً{65}  
فإن رفض الشريعة وعزل القرآن والسنة عن الحاكمية في مجال الحكم والسياسة  يعد من الثوابت المحكمة في دين  العلمانيين .
ولذا لابد ان ننقاش لماذا يرفض العلمانيون الشريعة حتى قال بعضهم: (إن الإسلام دين وليس دولة ، وإن الدولة الإسلامية على  مدى التاريخ الإسلامي كله كانت عبئا على  الإسلام ، وانتقاصا منه وليست إليه)
و هو القائل : أنا أقول إن محتوي ما أطرحه هو فصل الدين عن السياسة والحكم وليس عن الدولة ، ولتسم هذا علمانية أو عقلانية أو حتى  مهلبية !
وهو القائل : ببساطة أنا ضد تطبيق الشريعة الإسلامية فورا أو حتى  خطوة خطوة .. لأنني أرى أن تطبيق الشريعة لا يحمل في مضمونه إلا مدخلا لدولة دينية .. من يقبل بالدولة الدينية يقبل تطبيق الشريعة ومن يرفض الدولة الدينية يرفض تطبيق الشريعة . وعموما هناك قاعدة إسلامية تقول : « يجوز ارتكاب معصية اتقاء فتنة » لذلك فأنا أقول : إذا كان عدم تطبيق الشريعة معصية فلتكن معصية نسعد بارتكابها اتقاء لما هو أسوأ وهو الفتنة الطائفية !!  ( بتصريف من تهافت العلمانية للدكتور صلاح الصاوى)  و لكن فى مقال آخر .

مصر بين الدولة الدينية و الدولة المدنية 1


مصر بين الدولة الدينية و الدولة المدنية 1



كتبه الشيخ / محمد القاضي
بسم الله و الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم أما بعد
فإننا نحاول ان نحرر محل النزاع بين الإسلاميين من جهة و العلمانيين من جهة اخرى و لذا سنتناول الدولة الدينية اولا ثم بعد ذلك نتناول الدولة المدنية
فى الحقيقة يطلق تعبير الدولة الدينية في المصطلح السياسي الغربي على   الدولة الثيوقراطية التي تحكم بالحق الإلهي ، فينفرد الحاكم فيها بتلقي الشريعة عن الله، وله حق الأثرة بالتشريع ، وله في رقاب الناس حق الطاعة لا بالبيعة وما تقتضيه من العدل وحماية الحوزة بل بمقتضى الإيمان ، فالحكومة الدينية بهذا المعني ( فى المفهوم الغربى ) تقوم على ركنين :
- التفويض الإلهي للسلطة السياسية ، فالحاكم نائب عن الله وليس نائبا عن الأمة .
- استئثار هذا الحاكم بالحق في التحليل والتحريم والتشريع المطلق نيابة عن الله ، فكل ما يصدر عنه فهو دين واجب  الاتباع .
وقد شقيت المجتمعات الغربية بهذا النوع من الحكومات إبان العصور الوسطي وقد يطلق العلمانيون   هذا التعبير ( الحكومة الدينية ) في بلادنا على   الحكومة الإسلامية التي تقوم على   سيادة الشريعة الإسلامية ، وهذا نوع من الخلط فإن المنهج الإسلامي  يفرق بوضوح بين مصدر النظام القانوني وبين مصدر السلطة السياسية .

 فالنظام القانوني مصدره الوحي المعصوم ، فلا حلال إلا ما أحله الله ورسوله ، ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ، ولا  دين إلا ما شرعه الله ورسوله ، ولا يتنافى  هذا مع كون التشريعات  الاجتهادية التي لا تستند إلى دليل قاطع من نص صحيح أو إجماع صريح لا تخرج عن كونها اجتهادات بشريه يؤخذ منها ويترك في ضوء ما ترجحه الأدلة وتتحقق به المصلحة .
أما النظام  السياسي فمصدره الأمة ، فالأمة وحدها هي  صاحبة الحق في الهيمنة على   حكامها تولية ورقابة وعزلا.
والتيار الإسلامي بطبيعة الحال يكفر بالنموذج الغربي للدولة الدينية ويري فيه امتدادا للوثنية السياسية التي لا تجتمع مع أصل الإسلام بحال من الأحوال! ويؤمن بالنموذج الإسلامي للدولة الدينية الإسلامية التي تقوم على   تحكيم الشريعة على   التفصيل السابق ويري الإيمان به من معاقد التفرقة بين الإيمان والزندقة، وإن كان لا يقبل بتعبير الحكومة الدينية لما يتضمنه من الإيهام والتلبيس لأنه يؤدى إلى الخلط بين الحكومة الثيوقراطية كما عرفتها المجتمعات الغربية  وبين الحكومة الدينية . وعلى   هذا فينبغي  أن تطوى صفحة النموذج الغربي  للدولة الدينية، ويغلق ملفها إلى الأبد في هذه المناظرة وفي كل مناظرة لاحقة تتصل بهذه القضية ، ولا يجوز لأحد يحترم عقله وعقول الآخرين أن يبدئ فيها ويعيد ، وأن يرجع إلى التراشق بها كلما أعيته الحجة وأعوزه البرهان ! فما فتئ الإسلاميون يعلنون كفرهم بهذا النموذج الغربي للدولة الدينية ، ويدينون بأنه - كما سبق - نوع من الوثنية التي لا تجتمع مع أصل دين الإسلام بوجه من الوجوه!. ( تهافت العلمانية للدكتور صلاح الصاوى )

نجاح الداعية في تواضعه


نجاح الداعية في تواضعه




كتبه / أبو بكر القاضي


بسم الله و الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم
اما بعد ..
فإن التواضع من الأخلاق الإسلامية الراقية و السمات النبيلة التى يحبها الله تبارك و تعالى و يرفع اهلها فقد اخرج الإمام مسلم فى صحيحه عن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه و سلم قال ( مانقصت صدقة من مال و ما زاد الله عبدا بعفو الا عزا و ما تواضع احد لله الا  رفعه الله) وهو من الأخلاق التى ينبغى ان يتحلى بها كل مسلم ناهيك عن ان يكون عاملا فى الدعوة الى الله , فالذى يعمل فى هذا الحقل هو اولى الناس بهذا الخلق الرفيع الذى تخلق به خير البرية صلى الله عليه و سلم فكان خافض الجناح للكبير والصغير، والقريب والبعيد، والأهل والأصحاب، والرجل والمرأة، والصبي والصغير، والعبد والجارية، ، فالكل فى نظره سواء، لا فضل لأحد على آخر إلا بالعمل الصالح .
وكان نبينا صلى الله عليه و سلم و هو امام الدعاة رقيق القلب رحيما بالمؤمنين يحمل الكل و يكسب المعدوم و يعين على نوائب الدهر و كان صلى الله عليه و سلم يركب الحمار ويردف عليه ويبدأ من لقيه بالسلام و يسلم على الصبيان و يكون فى مهنة اهله_ يعنى فى خدمتهم _.


.وعندما سمع بعض أصحابه يناديه قائلاً:انت سيدنا و ابن سيدنا و خيرنا و ابن خيرنا فنهاهم عن ذلك و قال ( انا عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتى التي أنزلني الله عز وجل ) رواه أحمد و النسائي 


ومن مظاهر تواضعه صلى الله عليه وسلم ايضا، أنه لم يكن يرضى من أحد أن يقوم له تعظيمًا لشخصه، بل كان ينهى أصحابه عن فعل ذلك؛ حتى إن الصحابة رضوان الله عنهم، مع شدة حبهم له، لم يكونوا يقومون له إذا رأوه قادمًا، وما ذلك إلا لعلمهم أنه كان يكره ذلك . 

ولم يكن تواضعه عليه الصلاة والسلام صفة له مع صحابته فحسب، بل كان ذلك خُلُقًا أصيلاً، تجلى مع الناس جميعًا. يبين هذا أنه لما جاءه عدي بن حاتم يريد معرفة حقيقة دعوته، دعاه صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فألقت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعل الوسادة بينه وبين عدي ، وجلس على الأرض. قال عدي : فعرفت أنه ليس بملك و عندما كلمه رجل يوم الفتح فاخذته رعده فقال له النبى صلى الله عليه و سلم هون عليك انما انا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد  

وكان من تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يجلس مع أصحابه كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلسًا يميزه عمن حوله، حتى إن الغريب الذي لا يعرفه، إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم يستطع أن يفرق بينه وبين أصحابه، فكان يسأل: أيكم محمد ؟ . 

ويدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنه لم يكن يرد أي هدية تقدم إليه، مهما قلَّ شأنها، ومهما كانت قيمتها، ولم يكن يتكبر على أي طعام يدعى إليه مهما كان بسيطًا، بل يقبل هذا وذاك بكل تواضع، ورحابة صدر، وطلاقة وجه . 

ومن أبرز مظاهر تواضعه صلى الله عليه وسلم ما نجده في تعامله مع الضعاف من الناس وأصحاب الحاجات؛ كالنساء، والصبيان. فلم يكن يرى عيبًا في نفسه أن يمشي مع العبد، والأرملة، والمسكين، يواسيهم ويساعدهم في قضاء حوائجهم. بل فوق هذا، كان عليه الصلاة والسلام إذا مر على الصبيان والصغار سلم عليهم، وداعبهم بكلمة طيبة، أو لاطفهم بلمسة حانية . 

ومن صور تواضعه في علاقاته الاجتماعية، أنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا سار مع جماعة من أصحابه، سار خلفهم، حتى لا يتأخر عنه أحد، ولكي يكون الجميع تحت نظره ورعايته، فيحمل الضعيف على دابته، ويساعد صاحب الحاجة في قضاء حاجته فهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو من هو خير خلق الله كان اشد الناس تواضعا فى نفسه صلى الله عليه و سلم و لما رأى الصحابة الكرام هذا الخلق من رسول الله ماكان منهم الا ان تخلقوا بهذا الخلق الرفيع  وعلموا الدنيا معنى التواضع فهذا ابوبكر الصديق  رضى الله عنه كان يذهب الى كوخ امرأة عجوز فينظف لها كوخها ويعد لها طعامها و يقضى لهاحاجتها و يوم ان بعث اسامة الى قتال الروم خرج يودع الجيش و هو يمشى و اسامه بن زيد راكبا فقال اسامه يا خليفة رسول الله لتركبن او لأنزلن فقال له ابوبكر و الله لااركبن و لا تنزلن و ما على ان اغبر قدمى ساعة فى سبيل الله وهذا عمربن الخطاب  وهو امير المؤمنين يصوب قول المرأة التى ردت عليه  ويعلن تراجعه عن رأيه رضي الله عنه كما جاء في السير في القصة المعروفة والمشهورة عن تحديد المهور. 
بل إنه يُروى أن رجلاً قال له: لو زللت لقومناك بسيوفنا، فقال عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي جعل من يقوم عمر بسيفه. 
قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها)
وهذا عمربن عبد العزيز يسير على نفس الدرب  نزل عليه ضيف و هو خليفة فأنطفأ المصباح عليهما فقام عمر اليه ليصلحه فقال له جليسه يا امير المؤمنين لم لم تامرنى ان اصلحه او تأمر احدا من الخدم ان يصلحه فقال له عمر بن عبد العزيز قمت وانا عمر و رجعت وانا عمر لم ينقص منى شىء و خير الناس عند الله من كان متواضعا.
وقال الحسن رحمه الله: هل تدرون ما التواضع؟ التواضع: أن تخرج من منزلك فلا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً , وقال أبو علي الجوزجاني: النفس معجونة بالكبر والحرص على الحسد، فمن أراد الله هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيراً لطف به في ذلك. فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى
 و يقول الشافعي رحمه الله: "أرفعُ الناس قدرًا من لا يرى قدرَه، وأكبر النّاس فضلاً من لا يرى فضلَه"[أخرجه البيهقي في الشعب (6/304)],
 و لذا وجب على من سار على هديهم و طريقتهم ان يتمثل التواضع فى كل امره وان يكون هذا الخلق امرا اصيلا فى نفسه  و مع الناس من حوله فلا يلمس المخالط للداعية منه الا الرفق ورحابة الصدر ولين الجانب و طلاقة الوجه و حسن السمت والصبر على اذى الخلق , فإن تواضع الداعية مع المدعوا له اكبر الأثر فى نفوس المدعويين فإن النفوس مجبولة على حب المتواضعين و بغض المتكبرين وقد تكون هذه الإبتسامة العريضة المرتسمه على وجه الداعية عند استقباله للناس سبب فى هدايتهم و تثبيتهم على الطريق و هى بلا شك سبب فى تقبل الناس لكلام الداعية و قبولا لنصحه .  
 ومما ينبغى ان يتنبه له الداعية فى هذا الباب ان من علامات التواضع هو الا يتعاظم فى نفسه ان وجد لكلمته قبولا عند الناس او كثر عنده الأتباع و التلاميذ فقد تتغير نفوس البعض عندما يذيع صيته او ينتشر اسمه او تعرف صورته بين الناس و هذا ما ينبغى ان يحذر منه الداعية على نفسه  و يسعى دائما الى تذكير نفسه ان هذا من فضل الله عليه هو جل و علا من هيأ له الأسباب و يسر له سبل الطلب و التعلم و التعليم و كذلك لاينسى فضل من علمه و ارشده و بين له الطريق و لاينسب الفضل الى نفسه او يلاحظ من يخالطه انه دائم الكلام على نفسه و على عمله فإن هذا ينافى التواضع الواجب   
ومن هذا الباب ايضا  قبول الداعية للنصيحة و رغبته فى مشاورة اخوانه فالداعية فى امس الحاجة الى من يرشده و من يتشاور معه فى شأنه كله خصوصا اذا كان الأمر يتعلق بالدعوة ووسائلها و طرائقها و اولوياتها ومعروف انه كلما كان الداعية اقرب الى الناس كان كلماته و مواقفه مؤثرة و يترتب على موقفه أوعلى كلماته هداية الناس للخير او ضلالهم و العياذ بالله لذا يحتاج الداعية الى ان يربى نفسه على قبول النصيحة من اخوانه و لا يتكبر ابدا على نصيحتهم فإن الكبر بطر الحق اى رده و غمط الناس وقد يظهر البعض قبول النصيحة و لكن حقيقة الإستجابة قد تكون ضعيفة على ارض الواقع و الذى يريد النجاح فى دعوته يحتاج دائما الى ان ينظر الى الواقع الدعوى من خلال نظرته و نظرة اخوانه حتى تتكامل الصورة فى مخيلته فأنى للفرد ان يحوزالخير كله و النفس البشرية مليئة بالقصور واوجه النقص , فالتاجر الحاذق مثلا لا يأخذ قرارا فى تجارته حتى يستشير التجار اصحاب الخبرة و الدراية فى مجاله و هذا يبحث عن متاع دنيوى فمابالنا و الداعية يبحث عن نصرة الدين و تعبيد الخلائق لله جل و علا  و قد يترتب على موقفه هذا خير كثير او شر مستطير فالتواضع هو الذى يحمل الداعية على مشوارة اخوانه و قبول مشورتهم و هو الذى يحمله على  ان يتعلم من الآخريين و لايتوقف عن قبول التوجيه من الآخريين مهما كان حجم الناصح بالنسبة له فكما يقول العلماء كم فى الزوايا من خبايا فإياك و ان تحتقراحدا و الحق ضالة المؤمن اينما وجده أخذه .    
و فى نهاية هذا التطواف نقول بمثل هذاالخلق الرفيع  ساد القوم و رفع الله ذكرهم و ابقى اثارهم و كل من اراد ان يكون له من الإثر مثل ماكان للقوم فعليه ان يسير على دربهم و يتخلق باخلاقهم نسأل الله جل فى علاه ان يوفقناو يهدينا الى احسن الأخلاق انه لا يهدى لأحسنها الا هو و آخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين  و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و سلم .

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grants For Single Moms | تعريب وتطوير : باســـم .