بسم الله و الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم اما بعد
لقد ذكر الإمام ابن القيم فى كتابه اعلام الموقعين الرسالة التى ارسلها الامام الليث ابن سعد الى الإمام مالك ابن انس رحمهما الله تعالى وقد كانت مراجعه من الإمام الليث بن سعد للإمام مالك فى بعض المسائل الفقهية التى تخالف فيها فتاوى الإمام الليث فتاوى الإمام مالك رحمهما الله تعالى .
وكم وقفت معجبا بتلك الأخلاق العالية التى تمتلأ بها الرسالة و قلت فى نفسى هكذا تكون اخلاق العلماء , فالإمام الليث من اقران الإمام مالك رحمهما الله و بالرغم من ذلك ما تجد فى الرسالة الا الحب و التقدير الكبير بالرغم من الإختلاف فى وجهات النظر بينهما فى كثير من المسائل الفقهية التى تباينت فيها الأراء و اختلفت فيها الأحكام , فالأدب الجم هو الظاهرة السائدة في ثنايا الرسالة ظاهراً وباطناً ، والإطراء والدعاء كان بدوره من أرق السمات وأوضحها في تلك الرسالة , فقد قال الإمام الليث بعد ما ذكر بعض المسائل التى يخالف فيها الإمام مالك (( وقد تركتُ أشياء كثيرة من أشباه هذا، وأنا أحب توفيق الله إياك وطول بقائك؛ لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة, إذا ذهب مثلك مع استئناس بمكانك، وإن نأت الدار؛ فهذه منزلتك عندي ورأيي فيك فاستيقنه، ولا تترك الكتاب إلي بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك وحاجة إن كانت لك, أو لأحد يوصل بك، فإني أسر بذلك، كتبت إليك ونحن صالحون معافون والحمد لله، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر ما أولانا, وتمام ما أنعم به علينا، والسلام عليك ورحمة الله)) وهذا الأدب الجم و السلوك الرفيع تجده بين العلماء فى كل العصور فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، مع جلالته وقرابته للمصطفى صلى الله عليه وسلم، يأخذ بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويقول:
"هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا"، فيقبَّل زيد يد ابن عباس، ويقول:
"هكذا أُمِرنا أن نفعل بآل بيت نبينا " و من ألطف ما يُروى ما ورد من أنَّ مجموعةً من أصحاب الإمام الشافعيِّ قالوا له: نراك تكثر التزاور مع الإمام أحمد، فقال:
"هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا"، فيقبَّل زيد يد ابن عباس، ويقول:
"هكذا أُمِرنا أن نفعل بآل بيت نبينا " و من ألطف ما يُروى ما ورد من أنَّ مجموعةً من أصحاب الإمام الشافعيِّ قالوا له: نراك تكثر التزاور مع الإمام أحمد، فقال:
قالوا يزورك أحمد وتزوره = قلتُ الفضـائلُ لا تفارق مَنزِلَهْ
إنْ زارني فبفضلِهِ أو زرته فلفضلِهِ = فالفضلُ في الحالَينِ لَهْ
إنْ زارني فبفضلِهِ أو زرته فلفضلِهِ = فالفضلُ في الحالَينِ لَهْ
ومن الأدب الرفيع الذى تجده فى هذه الرسالة انه رحمه الله إذا ورد ذكر أحد من مخالفيهم فإن ذكره يقترن بكلمة خير, وجملة دعاء وشهادة حق , مهما يكن سبب الخلاف بينهم ، لقد كان كل من مالك والليث على خلاف مع ربيعة الرأي في بعض الأحكام ، ومع ذلك يرد ذكره في الرسالة هكذا : " وذاكرتك أنت وعبد العزيز بن عبد الله بعض ما نعيب على ربيعة من ذلك, فكنتما من الموافقين فيما أنكرت، وتكرهان ما أكرهه، ومع ذلك بحمد الله عند ربيعة خير كثير، وعقل أصيل، ولسان بليغ، وفضل مستبين، وطريقة حسنة في الإسلام، ومودة صادقة لإخوانه عامة ولنا خاصة، رحمه الله وغفر له, وجزاه بأحسن من عمله ".
فهل هناك قول في مخالف أجمل من هذا القول ؟
وهل هناك ذكر لمعارض أرق أو آدب من هذا الذكر ؟
لكن ذلك ليس بمستغرب ، لأنه أدب الأئمة وشمائل العلماء وأخلاق الفضلاء . ثم ان الإمام يعلمنا كيف نتعامل مع الخلاف السائغ و كيف ننكر على المخالف فى مثل هذه النوعية من المسائل و ذلك ببيان الدليل فى المسألة فهو رحمه الله قد بين مذهبه فى كل مسألة خالف فيها الإمام مالك و بين مأخذه من الأدلة الشرعية و هذا ما ينبغى ان نتأدب به فى الخلاف السائغ بذكر المسألة بدليلها فليس المطلوب ان نعرف قول الإمام و انما الأهم ان نعرف دليله من الكتاب و السنة و الإجماع و القياس الصحيح على ذلك و غير ذلك من ادلة الأحكام المختلفه التى يستند عليها العلماء فى استنباط الأحكام وهذا يربى طلبة العلم على الأدب العالى بينهم و ينأى بهم عن التعصب الأعمى الذى يتنافى مع تعاليم الشريعة .
ان هذا الأدب الجم بين العلماء و الحب و المودة و الرقى فى الحوار من اهم عوامل الألفة بين الأمة اذ ان العلماء محط انظار الأمة بأسرها و قدوتها التى تسير خلفها , فنسأل الله ان يرزقنا العلم النافع و الأدب الجم و ان يجمعنا مع هؤلاء الأئمة فى جنته هو ولى ذلك و القادر عليه و الحمد الله رب العالمين و الصلاة و السلام على افضل المرسلين و على آله و صحبه و سلم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق