بسم الله و الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عيه و سلم اما بعد ..........
فإن القلب يحتاج الى مادة يحى بها و يعيش بمدادها , و قد اتفق العقلاء جميعا على أن القلوب قد تصدأ كما يصدأ الحديد ، وأنها تظمأ كما يظمأ الزرع ، وتجف كما يجف الضرع ؛ ولذا ، فهي تحتاج إلى تجلية وري ، يزيلان عنها الأصداء و الظمأ , والمرء في هذه الحياة ، محاط بالأعداء من كل جانب ؛ نفسه الأمارة بالسوء ، تورده موارد الهلكة ، وكذا هواه وشيطانه ، فهو بحاجة ماسة ، إلى ما يحرزه ويؤمنه ، ويسكن مخاوفه ، ويطمئن قلبه . وإن من أكثر ما يزيل تلك الأدواء ، ويحرز من الأعداء ، ذكر الله والإكثار منه لخالقها ومعبودها ؛ فهو جلاء القلوب وصقالها ، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها .
كم يحتاج العبد فى هذه الدنيا الى من يؤمنه و يلتجأ اليه عندما تحيط به الخطوب فالذاكر لله لا يلتفت الى غيره و لايتعلق بسواه , ولا تقلقه أعداد القلة والكثرة ، وتستوي عنده الخلوة والجلوة قال ابن القيم رحمه الله : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : الذكر للقلب مثل الماء للسمك ، فكيف يكون السمك إذا فارق الماء ؟
لقد حث الدين الحنيف ، على أن يتصل المسلم بربه ، ليحيا ضميره ، وتزكوا نفسه ، ويطهر قلبه ، ويستمد منه العون والتوفيق ؛ ولأجل هذا ، جاء في محكم التنزيل والسنة النبوية المطهرة ، ما يدعوا إلى الإكثار من ذكر الله عز وجل على كل حال ؛ فقال عز وجل : يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً [سورة الأحزاب:41-42].
وقال سبحانه : والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا ًعظيماً [سورة الأحزاب:35]. وقال جل شأنه : واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون [سورة الأنفال :45]. وقال تعالى : فاذكروني أذكركم [سورة البقرة:152]. وقال سبحانه: ولذكر الله أكبر [سورة العنكبوت :45].
وقال : ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم )) متفق عليه .
وقال : ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : وذلك ما هو يا رسول الله ، قال :. ذكر الله عز وجل )) رواه أحمد .
وقال : ((من قال : سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة )) رواه الترمذي وحسنه الحاكم وصححه
فالحقيقة القلب الذى لا يستنير بالذكر تملأه الظلمة و تنطفأ فيه نور البصيرة و يتمكن منه الشيطان قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خنس .
وكان رجل رديف النبي على دابة ، فعثرت الدابة بهما ، فقال الرجل: تعس الشيطان ؛ فقال له النبي : ((لا تقل : تعس الشيطان ؛ فإنه عند ذلك يتعاظم حتى يكون مثل البيت ، ولكن قل : بسم الله . فإنه يصغر عند ذلك حتى يكون مثل الذباب )) رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح .
وحكى ابن القيم رحمه الله عن بعض السلف ، أنهم قالوا : إذا تمكن الذكر من القلب ، فإن دنا منه الشيطان صرعه الإنسي ، كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان ، فيجتمع عليه الشياطين ، فيقولون : ما لهذا ؟ فيقال : قد مسه الإنسي .
و السان المتعطل عن الذكر حاله كالعين العمياء ، والأذن الصماء ، واليد الشلاء قال الحسن البصري رحمه الله : تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة ، وفي الذكر ، وقراءة القرآن ، فإن وجدتم ، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق .
فالسان المشغول بذكر الله يقوى القلب و ليس القلب فقط بل يقوى الأبدان ؟!
تأمل فى قول النبى صلى الله عليه و سلم لعلى و فاطمة لما اشتكيا له ما تواجهه من الطحن والعمل المجهد ، فسألته خادما ، فقال رسول الله : ((ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم ، إذا أويتما إلى فراشكما ، فسبحا الله ثلاثا وثلاثين ، واحمداه ثلاثا وثلاثين . وكبراه أربعا وثلاثين ؛ فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان )) فقال علي : ما تركتها بعدما سمعتها من النبي ، فقال رجل : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين رواه أحمد وليلة صفين : ليلة حرب ضروس دارت بينه وبين خصومه رضي الله عنهم أجمعين .
فإن المداومة على الذكر تقوى الأبدان و تهون الصعاب بل تفتح البلاد فقد ثبت عن النبي في فتح القسطنطينية : (( فإذا جاءها نزلوا ، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ؛ فيسقط أحد جانبيها ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا .. الحديث )) رواه مسلم في صحيحه .
فياله من سلاح تخاذلنا فى الأخذ به , فحرى بنا ان ننشغل بذكر الله و قد احاطت بنا المخاوف من كل جانب خصوصا و الحضارة المادية المعاصرة قائمة على الجفاف الروحى و رؤية الإنسان لنفسه و عقله و ابتكراته و يحاول الإنسلاخ من المعانى الشرعية الرفيعة و استدبار المعانى التى حضنا عليها الشرع حتى تحى الأرواح و تتنعم كما تتنعم الأبدان بل أعظم و هذا ما يجعلنا نرى القلق و المخاوف و الضيق و الهموم قد ملأت حياة الناس فى المشارق و المغارب و ضاعت الطمأنينة التى يحتاجها العباد أيما حاجة الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب [سورة الرعد:28].
يقول جل وعلا في الحديث القدسي : (( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم )) رواه البخاري ومسلم .
فهل يشتكى هما و غما وضيقا من كان الله ذاكرا له فى نفسه .
فى الحقيقة هناك من الناس من يذكرون الله ، ولكنهم لا يفقهون معنى الذكر ، فتصبح قلوبهم بعيدة عن استشعار جلال الله ، وقدره حق قدره ، وذكر الله عز وجل ، كلام تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، غير أن الناس مما ألفوا منه ، وما جهلوا من معناه ، لا يرددونه إلا كما يرددون كلاما تقليديا ، وإلا فهل فكر أحد في كلمة ((الله أكبر)) التي هي رأس التكبير وعماده ، وهي أول ما كلف به الرسول حين أمر بالإنذار يـا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر [سورة المدثر:1-3].
إنها كلمة عظيمة ، تحيي موات الأرض الهامدة ، لصوتها هدير كهدير البحر المتلاطم ، أو هي أشد وقعا .
إنها كلمة ، ينبغي أن تدوي في أذن كل سارق وناهب ؛ لترتجف يده ، ويهتز كيانه . وكذا تدوي ، في أذن كل من يهم بإثم أو معصية ، ليقشعر ويرتدع ، وينبغي أن تدوي في أذن كل ظالم معتد متكبر ، ليتذكر إن كان من أهل الذكرى ، أن هناك إلها أقوى منه ، وأكبر من حيلته واستخفافه ومكره ، أخذه أقوى من أخذ البشر ومكرهم وخديعتهم ، فالله أكبر ، الله أكبر كبيرا .
و هل تأمل احد فى معانى الحمد الله التى تحتاج الى مقالة مستقلة لبيان بعض ماتحويه من اعتراف القلب بالفضل لصاحب الفضل و ما تدل عليه من كمال الخالق فى اسمائه و صفاته و افعاله .
فاستحضار القلب لمعاتى الذكر عند نطق اللسان هو المراد من الشارع ولذا يحصل العبد من الأجر على قدر الحضور القلبى و هذه هى الجنة التى من لم يدخلها فى الدنيا لم يدخلها فى الآخرة , كما تكلم بهذه الكلمات سيد العارفين شيخ الإسلام ابن تيمية و قد كان الذكر هو الزاد التى يستعين به فى جهاده الطويل مع البدع و الضلالات و الذى من دونه تخور قواه فى مواجهة النفس الآمره بالسوء و من بعد ذلك اعدائه من شياطين الإنس و الجن , فكل مسلم يحتاج الى هذا الزاد فى كل مراحل الحياة و أشد الناس حاجة لذلك هم السالكون فى طريق الدعوة الى الله الذين هم حالهم ذكر لله لإنهم يحتاجون المعونة الربانية فى طريقهم و دعوتهم الم تر الى حال الرسل و الأنبياء لم ينفكوا عن الذكر فى كل مراحل الدعوة و قد كان له الأثر البالغ فى نفوسهم خصوصا فى المواقف الحرجة على طريق الدعوة .
لا حول و لاقوة الإ بالله فلا تحول من حال الى حال و لاقدرة على ذلك الا بتوفيق من الله و اعانة وهذا المعنى ينبغى ان تمتلأ به نفس العبد المؤمن الساعى فى مرضات الله المنشغل بطاعة الله فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله بل ثقة و يقين فى نصر الله امتلأت به نفوس العارفين المطمئنين بذكر الله الا بذكر الله تطئن القلوب و آخر دعوانا ان الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه و سلم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق