توجيهات قرانية للدعاة ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم .....أما بعد

فهذه جملة من التوجيهات الدعوية التى نقدمها لأنفسنا و اخواننا الذين يشاركون فى الدعوة إلى الله و قد قسمتها إلى ثلاثة أقسام القسم الأول يتعلق بالداعية و الثانى يتعلق بالمدعو و الثالث يتعلق بالدعوة نفسها .......ولعلنا فى هذه التوجيهات نحاول ان نستخرجها من كتاب الله عزوجل فإن للآيات القرانية تأثير مختلف فى النفس ووقع مؤثر فى القلب يختلف عن غيرها من الكلام .
فاما ما يتعلق بالقسم الأول :
فمنها قوله تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215]،
النبي عليه الصلاة والسلام تَطبيقًا لهذا التَّوْجيه الإلهى كان عليه الصلاة والسلام إذا اجْتَمَع بأصْحابه كأنَّه كأحدهم فإذا دخل عليهم رجل يُريدهُ ، والنبي عليه الصلاة والسلام معهم ، ولا يعرفُهُ فيقول: أيُّكم محمَّد ؟‍! فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا جلس مع أصحابه فهو كأحدهم تمامًا ، وإذا سار مع أصحابه كان كأحدهم أيْضًا ، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يعطي لِنَفسه امْتِيازًا أبدًا، والقصّة المشهورة حينما كان النبي مع أصحابه الكرام قال :
(( وأنا عليَّ جمع الحطب )) .
ويوم بدر قال ((( ... وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ....)) .

و قد كان صلى الله عليه و سلم جمَّ التواضع ، وافر الأدب ، يبدأ الناس بالسَّلام ، وينصرِفُ بِكُلِه إلى مُحدِّثِهِ صغيرًا كان أم كبيرًا ، ويكون آخر من يسْحب يدهُ إذا صافحَ ، وإذا تصدَّق وضَعَ الصَّدَقة بِيَدِهِ في يد المسكين ، لا يلْقيها له إلْقاءً ، وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلّم ، وإذا جلس جلسَ حيث ينتهي به المجلس ، ولم يُرَ مادًّا رِجْليْه قطّ ، ولم يكن يأْنفُ من أي عمل لِقَضاء حاجاته ، من حمَلَ حاجته بيَدِهِ برؤ من الكِبْر ، أو حاجة صاحبٍ أو جار، وكان يذهب إلى السوق ، ويحملُ بِضاعته ويقول : أنا أولى بِحَمْلها ، قال تعالى :

﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الشعراء )
وكان يُجيب دعْوة الحرّ والعبْد والمِسكين ، وكان يقْبلُ عُذْر المعْتذر ، وكان يرْفو ثوْبهُ ، ويخصف نعلهُ ، ويخدم نفسهُ ، ويَعْقِلُ بعيره ، ويكنسُ داره وكان في مهنة أهله ، وكان يأكل مع الخادم ، ويقضي حاجة الضَّعيف والبائس ، وكان يمشي هَوْنًا خافض الطَّرف ، متواصل الأحزان دائمَ الفِكرة ، ولا ينطق إلا لِحاجة ، طويل السُّكون ، إذا تكلَّم تكلَّم بِجَوامع الكلِم ، وكان دَمِثًا أي لطيفًا ، ليس بالجاِفِ ولا المُهين يُعظِّمُ النِّعَم وإن دقَّتْ ، فلو أنَّه شرب كأس ماء قال : الحمد لله رب العالمين الذي جعل هذا الماء مسْتساغًا ، وجعل طريقه سالكًا ، لا يذمّ من هذه النِّعَم شيئًا ، ولا تُغْضِبُهُ الدنيا ، ولا ما كان منها ، ولا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غضَّ بصرهُ ، وكان يؤلِّفُ ولا يُفَرِّق ، يقرِّب ولا يُبَعِد ، يُكَرِّم كريم كلّ قوم ، ويولِّيه عليهم ، ويتفقَّد أصحابه ، ويسأل الناس عمَّا في الناس ، كيف حالكم ؟ كيف أعمالكم ؟ كيف أهلكم ؟ هل أنتم مرْتاحون ؟ يسأل الناس عما في الناس ، يُحَسِّنُ الحسَنَ ويُصَوِّبُهُ ، ويُقَبِحُ القبيح ويوهِّنُهُ ، لا يُقَصِّر عن حقّ ولا يُجاوِزُهُ ، ولا يحْسب جليسهُ أنَّ أحدًا أكرم عليه منه ، من سأل حاجةً لم يردّه إلا بها ، أو ما يسرّه من القول ، وكان دائِمَ البِشْر ، سَهل الخُلُق ، ليِّن الجانب ، ليْس بِفظ ولا غليظ ، ولا صخَّاب ولا فحَّاش ، ولا عيَّابٍ ولا مزَّاحٍ ، يتغافل عمَّا لا يشتهي ، ولا يُخَيِّبُ فيه مؤمِّلاً ، وكان لا يذمّ أحدًا ولا يُعَيِّرُهُ ، ولا يطلبُ عَوْرتُه ، ولا يتكلَّم إلا فيما يُرْجى ثوابُهُ ، يضْحك مِمَّا يضحك منه أصحابه ، ويتعجَّب مِمَّا يتعجَّبون ، ويصبر على الغريب وعلى جَفْوَته في مسألته ، ومنطقِهِ ، ولا يقْطعُ على أحدٍ حديثاً حتى يجوزهُ ، والحديث عن شمائلِهِ صلى الله عليه وسلّم لا تتَّسِع له المجلَّدات لكن المراد هنا ان هذا هو تطبيقه صلى الله عليه و سلم العملى لهذا التوجيه الربانى و اخفض جناحك للمؤمنين فقد كان قرانا يمشى على الأرض و لايوجد انفصال بين كلامه صلى الله عليه و سلم و بين سلوكه و تعامله مع الآخرين و من كان يريد لدعوته نجاحا او قبولا فلابد ان يسير على نفس هديه صلى الله عليه و سلم , و حتى يستجيب الناس له لا بد من أن يتواضع الداعي إلى الله سبحانه، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]، فالدعوة بالحكمة أن تكون مع الناس في غاية الهدوء، فادعهم إلى الله ولا تنفرهم، قال تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]. والموعظة نوعان: موعظة شديدة وموعظة حسنة، فادع الناس بالموعظة الحسنة؛ لعلهم يستجيبون، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس) فاذا أردت أن يُحِبَّك الناس فتواضَعْ لهم ، وإذا أردْت أن تكون طريقهم إلى الله فاخْفِض جناحك لهم ،
قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله : (وفي قوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الحجر: 88)، دليلٌ على أن الإنسان مأمور بالتواضع لإخوانه وإن كان رفيع المنزلة، كما يرتفع الطير بجناحه، فإنه وإن كان رفيع المنزلة فليخفض جناحه وليتذلل وليتواضع لإخوانه.وليعلم أن من تواضع لله رفعه الله عزّ وجلّ، والإنسان ربما يقول لو تواضعت للفقير وكلمت الفقير، أو تواضعت للصغير وكلمته أو ما أشبه ذلك، فربما يكون في هذا وضع لي، وتنزيل من رتبتي، ولكن هذا من وساوس الشيطان، فالشيطان يدخل على الإنسان في كل شيء، قال تعالى عنه: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (لأعراف:16-17).

فالشيطان يأتي الإنسان ويقول له : كيف تتواضع لهذا الفقير؟ كيف تتواضع لهذا الصغير؟ كيف تكلم فلاناً؟ كيف تمشي مع فلان؟ ولكن من تواضع لله رفعه الله عزّ وجلّ، حتى وإن كان عالماً أو كبيراً أو غنياً، فإنه ينبغي أن يتواضع لمن كان مؤمناً، أما من كان كافراً فإن الإنسان لا يجوز له أن يخفض جناحه له، لكن يجب عليه أن يخضع للحق بدعوته إلى الدين، ولا يستنكف عنه ويستكبر فلا يدعوه، بل يدعوه ولكن بعزة وكرامة ، ودون إهانة له، فهذا معنى قوله: ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الحجر:88).أه
فحاجة الداعية الى التواضع حاجة ضرورية و محورية فى دعوته و الا نفر الناس منه و عزفوا عما عنده من العلم و الخير , نسأل الله تبارك و تعالى ان يرزقنا حسن التأسى برسول الله صلى الله عليه و سلم و السير على هداه و ان يجعل عملنا كله خالصا لوجه الكريم و لايجعل لأحد فيه شيئا هو ولى ذلك و القادر عليه و الحمد الله رب العالمين .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grants For Single Moms | تعريب وتطوير : باســـم .