بسم الله و الحمد الله و الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم, اما بعد , فإن من جملة التوجيهات القرانية التى خوطب بها المصطفى صلى الله عليه و سلم هذا التوجيه القرانى وهو فى الحقيقة توجيه للأمة من بعده صلى الله عليه وسلم و الى من يحمل هم الدين و يعمل فى الدعوة الى الله من باب اولى , قال تعالى ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين)
َفقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حَدَث، تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم [كما] شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير فقالوا: يا رسول الله، لو استعرضت بنا عُرْض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى بَرْك الغَمَاد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب، فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن [شمالك] مقاتلون.
وشاورهم -أيضا-أين يكون المنزل؟ حتى أشار المنذر بن عمرو المعتق ليموتَ، بالتقدم إلى أمام القوم، وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو، فأشار جمهُورُهم بالخروج إليهم، فخرج إليهم.
وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى عليه ذلك السَعْدَان: سعدُ بن معاذ وسعدُ بن عُبَادة، فترك ذلك.
وشاورهم يومَ الحُدَيبية في أن يميل على ذَرَاري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجيء (7) لقتال أحد، وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال.
وقال عليه السلام في قصة الإفك: "أشِيروا عَلَيَّ مَعْشَرَ الْمُسْلِمينَ فِي قَوْمٍ أبَنُوا أهلِي ورَمَوهُم، وايْمُ اللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِي مِنْ سُوءٍ، وأبَنُوهم بمَنْ -واللهِ-مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلا خَيْرًا". واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة، رضي الله عنها.
فكان [صلى الله عليه وسلم] يشاورهم في الحروب ونحوها. وقد اختلف الفقهاء: هل كان ذلك واجبا عليه أو من باب الندب تطييبا لقلوبهم؟ على قولين.
وقد قال الحاكم في مستدركه عن ابن عباس في قوله: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ } قال: أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وهكذا رواه الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: نزلت في أبي بكر وعمر، وكانا حَوَاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وأبَوَي المسلمين.
وقد روى الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا عبد الحميد، عن شَهْرَ بن حَوْشَب، عن عبد الرحمن
بن غَنْم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: "لوِ اجْتَمَعْنا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا".
وروى ابن مَرْدُويه، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العَزْم؟ قال "مُشَاوَرَةُ أهْلِ الرَّأْي ثُمَّ اتِّبَاعُهُمْ".
وقد اخرج ابن ماجة: عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ".
[وقال أيضا] وحدثنا أبو بكر، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وعلي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذَا اسْتَشَارَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَليشِر عليْهِ. تفرد به أيضا.
وقد بين بعض الأحكام التى تتعلق بالمشاورة الإمام القرطبى فى تفسيره , قال رحمه الله فى تفسيره لهذه الآية :
( الثانية: -قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام؛ من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب. هذا ما لا خلاف فيه. وقد مدح الله المؤمنين بقوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]. قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي؛ قيل:وكيف ذلك؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم. وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها. وكان يقال: ما ندم من استشار. وكان يقال: من أعجب برأيه ضل.
الثالثة : -قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} يدل على جواز الاجتهاد في الأمور والأخذ بالظنون مع إمكان الوحي؛ فإن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله نبيه عليه السلام أن يشاور فيه أصحابه؛ فقالت طائفة: ذلك في مكائد الحروب، وعند لقاء العدو، وتطييبا لنفوسهم، ورفعا لأقدارهم، وتألفا على دينهم، وإن كان الله تعالى قد أغناه عن رأيهم بوحيه. روي هذا عن قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعي. قال الشافعي: هو كقوله "والبكر تستأمر" تطيبا لقلبها؛ لا أنه واجب. وقال مقاتل وقتادة والربيع: كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم: فأمر الله تعالى؛ نبيه عليه السلام أن يشاورهم في الأمر: فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم، وأطيب لنفوسهم. فإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم.
وقال آخرون: ذلك فيما لم يأته فيه وحي. روي ذلك عن الحسن البصري والضحاك قالا: ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمته من بعده. وفي قراءة ابن عباس: "وشاورهم في بعض الأمر" ولقد أحسن القائل:
شاور صديقك في الخفي المشكل ... واقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نبيه ... في قوله: "شاورهم"و "توكل"
الرابعة : -جاء في مصنف أبي داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المستشار مؤتمن" .
قال العلماء: وصفة المستشار إن كان في الأحكام أن يكون عالما دينا، وقلما يكون ذلك إلا في عاقل. قال الحسن: ما كمل دين امرئ ما لم يكمل عقله. فإذا استشير من هذه صفته واجتهد في الصلاح وبذل جهده فوقعت الإشارة خطأ فلا غرامة عليه؛ قاله الخطابي وغيره.
الخامسة : -وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلا مجربا وادا في المستشير. قال:
شاور صديقك في الخفي المشكل
وقد تقدم. وقال آخر:
وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبا ولا تعصه
في أبيات.
والشورى بركة. وقال عليه السلام: "ما ندم من استشار ولا خاب من استخار" . وروى سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما شقي قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأي" . وقال بعضهم: شاور من جرب الأمور؛ فإنه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غاليا وأنت تأخذه مجانا. وقد جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة - وهي أعظم النوازل - شورى. قال البخاري: وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها.
وقال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة، ومن يخشى الله تعالى. وقال الحسن: والله ما تشاور قوم بينهم إلا هداهم لأفضل ما يحضر بهم. وروي عن علّي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم" .
السادسة : -والشورى مبنية على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقربها قولا إلى الكتاب والسنة إن أمكنه، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلا عليه، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب؛ وبهذا أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية.) أه وما وضحه الامام القرطبى من الأحكام المتعلقة بالمشاورة هو الذى جعلنى انقل كلامه كاملا خصوصا انه اشار الى خلاف العلماء في متعلق الأمر بالمشاورة فى حق النبى صلى الله عليه و سلم وهو ان كان يشاورهم فى كل الأمور مالم ينزل الوحى بتقرير ذلك او برده او بترجيح احد الأقوال على الآخر وهذا ما اشار الى الحافظ ابن حجر فى فتح البارى :
وقد اختلف في متعلق المشاورة فقيل : في كل شيء ليس فيه نص وقيل في الأمر الدنيوي فقط وقال الداودي : إنما كان يشاورهم في أمر الحرب مما ليس فيه حكم ؛ لأن معرفة الحكم إنما تلتمس منه قال : ومن زعم أنه كان يشاوره في الأحكام فقد غفل غفلة عظيمة وأما في غير الأحكام فربما رأى غيره أو سمع ما لم يسمعه أو يره كما كان يستصحب الدليل في الطريق وقال غيره : اللفظ وإن كان عاما ؛ لكن المراد به الخصوص للاتفاق على أنه لم يكن يشاورهم في فرائض الأحكام . قلت : وفي هذا الإطلاق نظر فقد أخرج الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان من حديث علي قال : " لما نزلت : { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ........ } الآية ، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " ما ترى ؟ دينار . قلت : لا يطيقونه قال : فنصف دينار ؟ قلت : لا يطيقونه . قال : فكم ؟ قلت شعيرة . قال : إنك لزهيد . فنزلت { أأشفقتم . . الآية } قال : فبي خفف الله عن هذه الأمة ، ففي هذا الحديث المشاورة في بعض الأحكام . ونقل السهيلي عن ابن عباس أن المشاورة مختصة بأبي بكر وعمر ولعله من تفسير الكلبي ثم وجدت له مستندا في فضائل الصحابة لأسد بن موسى والمعرفة ليعقوب بن سفيان بسند لا بأس به عن عبد الرحمن بن غنم - بفتح المعجمة وسكون النون - وهو مختلف في صحبته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر " لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا " وقد وقع في حديث أبي قتادة في نومهم في الوادي " إن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا " لكن لا حجة فيه للتخصيص ووقع في الأدب من رواية طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى { وشاورهم في الأمر } قال في بعض الأمر قيل : وهذا تفسير لا تلاوة ، ونقله بعضهم قراءة عن ابن مسعود وعد كثير من الشافعية المشاورة في الخصائص واختلفوا في وجوبها فنقل البيهقي في المعرفة الاستحباب عن النص وبه جزم أبو نصر القشيري في تفسيره وهو المرجح .
قال الشافعي رحمه الله : إنما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبهه على ما يغفل عنه ويدله على ما لا يستحضره من الدليل لا ليقلد المشير فيما يقوله ، فإن الله لم يجعل هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد من استشارة الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة : منها مشاورة أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة ، وأخرج البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران قال " كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم ، وإن علمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة ، فإن أعياه ذلك دعا رءوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم " وأن عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك , ومشاورة عمر الصحابة في حد الخمر تقدمت في " كتاب الحدود " ومشاورة عمر الصحابة في إملاص المرأة تقدمت في الديات ، ومشاورة عمر في قتال الفرس تقدمت في الجهاد ، ومشاورة عمر المهاجرين والأنصار ثم قريشا لما أرادوا دخول الشام وبلغه أن الطاعون وقع بها ، وقد مضى مطولا مع شرحه في " كتاب الطب " وروينا في القطعيات من رواية إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال سل عنها عليا ، قال ولقد شهدت عمر أشكل عليه شيء فقال هاهنا علي ، وفي كتاب النوادر للحميدي ، والطبقات لمحمد بن سعد من رواية سعيد بن المسيب قال : كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن - يعني علي بن أبي طالب - ومشاورة عثمان الصحابة أول ما استخلف فيما يفعل بعبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان وغيره ؛ ظنا منه أن لهم في قتل أبيه مدخلا ، وهي عند ابن سعد وغيره بسند حسن ، ومشاورته الصحابة في جمع الناس على مصحف واحد ، أخرجها ابن أبي داود في " كتاب المصاحف " من طرق عن علي منها قوله " ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا " وسنده حسن .
قوله ( ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة إلخ )
يشير إلى حديث أبي هريرة الذي تقدم قريبا في باب الاقتداء بالسلف .
قوله ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه )
تقدم موصولا من حديث ابن عباس في " كتاب المحاربين " .
قوله ( وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا )أه مختصرا
وقال العلامة السعدى رحمه الله فى تفسيره لهذه الآية :
( وشاورهم في الأمر } أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
ومنها: أن فيها تسميحا لخواطرهم، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي: والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد (2) عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي: المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: { وشاورهم في الأمر } فكيف بغيره؟
قال المروذي : كان أبو عبد الله لا يدع المشورة إذا كان في أمر حتى إن كان ليشاور من هو دونه ، وكان إذا أشار عليه من يثق به أو أشار عليه من لا يتهمه من أهل النسك من غير أن يشاوره قبل مشورته وكان إذا شاوره الرجل اجتهد له رأيه وأشار عليه بما يرى من صلاح ، وظاهر هذا أنه يشاور في كل ما يهم به
لذا وجب على الدعاة ان يسلكوا هذا السبيل فهى سبيل رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه من الأفاضل الكرام قال تعالى عن رسوله صلى الله عليه و سلم ( قل هذه سبيلى ادعوا الى الله على بصيرة انا و من اتبعنى وسبحان الله وما انا من المشركين ) , و ان تكن المشورة دأبهم و ديدنهم فى كل امورهم الدعوية , خصوصا ان الدعوة تمر بمراحل متعدده و تواجهها عقبات مختلفة سواء كانت داخلية او خارجية وكل ذلك يحتاج الى مشاورة حتى تسير الدعوة فى طريقها الصحيح دون عوج او شطط , فإذا قام الدعاة بهذا الواجب فقلما يخطئوا الرأى و ان اخطئوا فقد بذلوا وسعهم فى معرفة الحق , و الحق للجماعة دائما اقرب منه الى الفرد , قال قتيبة بن مسلم : الخطأ مع الجماعة أحب إلي من الصواب مع الفرقة وإن كانت الجماعة لا تخطئ والفرقة لا تصيب, فالتوفيق و السداد مع المشاورة و الإجتماع و الخطأ و الخذلان مع الفردية و الأنوية و الفرقة ,أخرج البخاري في " الأدب المفرد " وابن أبي حاتم بسند قوي عن الحسن قال : " ما تشاور قوم قط بينهم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم " وفي لفظ " إلا عزم الله لهم بالرشد أو بالذي ينفع ".
و الذى ينبغى ان يلتفت اليه انه جل و علا امره بالتوكل على الله بعد المشاورة , قال الإمام القرطبى رحمه الله : (السابعة : -قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} قال قتادة: أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله، لا على مشاورتهم. والعزم هو الأمر المروى المنقح، وليس ركوب الرأي دون روية عزما، إلا على مقطع المشيحين من فتاك العرب؛ كما قال:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
وقال النقاش: العزم والحزم واحد، والحاء مبدلة من العين. قال ابن عطية: وهذا خطأ؛ فالحزم جودة النظر في الأمر وتنقيحه والحذر من الخطأ فيه. والعزم قصد الإمضاء؛ والله تعالى يقول: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ} . فالمشاورة وما كان في معناها هو الحزم. والعرب تقول: قد أحزم لو أعزم. وقرأ جعفر الصادق وجابر بن زيد: {فَإِذَا عَزَمْتَ} بضم التاء. نسب العزم إلى نفسه سبحانه إذ هو بهدايته وتوفيقه؛ كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]. ومعنى الكلام أي عزمت لك ووفقتك وأرشدتك {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} . والباقون بفتح التاء. قال المهلب: وامتثل هذا النبي صلى الله عليه وسلم من أمر ربه فقال: "لا ينبغي لنبي يلبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله" . أي ليس ينبغي له إذا عزم أن ينصرف؛ لأنه نقض للتوكل الذي شرطه الله عز وجل مع العزيمة. فلبسه لأمته صلى الله عليه وسلم حين أشار عليه بالخروج يوم أحد من أكرمه الله بالشهادة فيه، وهم صلحاء المؤمنين ممن كان فاتته بدر: يا رسول الله اخرج بنا إلى عدونا؛ دال على العزيمة. وكان صلى الله عليه وسلم أشار بالقعود، وكذلك عبدالله بن أبي أشار بذلك وقال: أقم يا رسول الله ولا تخرج إليهم بالناس، فإن هم أقاموا أقاموا بشر مجلس، وإن جاؤونا إلى المدينة قاتلناهم في الأفنية وأفواه السكك، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من الآطام، فوالله ما حاربنا قط عدو في هذه المدينة إلا غلبناه، ولا خرجنا منها إلى عدو إلا غلبنا. وأبى هذا الرأي من ذكرنا، وشجعوا الناس ودعوا إلى الحرب. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ودخل إثر صلاته بيته ولبس سلاحه، فندم أولئك القوم وقالوا: أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما خرج عليهم في سلاحه قالوا: يا رسول الله، أقم إن شئت فإنا لا نريد أن نكرهك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لنبي إذا لبس سلاحه أن يضعها حتى يقاتل"
فإذا تشاورالدعاة فى امر وهداهم الله الى رأى فعليهم حين اذ ان يعملوه فى ارض الواقع متوكلين على الله , و من يتوكل على الله فهو حسبه وهذا التوكل جالب لمحبة الله لهم وتوفيقه و تسديده و الله الموفق و الهادى الى سواء السبيل .
وشاورهم فى الأمر
4:12 م
الشيخ / محمد القاضي
0 التعليقات:
إرسال تعليق