بسم الله و الحمد الله و الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم أما بعد ........
ان هذا الموضوع الذى نحن بصدده لهو من الأهمية بمكان , فإن المشاكل السلوكية التى تعانى منها الصحوة اغلبها للأسف ينبع من غياب المربى أو قل من قلة عدد المربين بالنسبة للأعداد الكبيرة للملتزمين فى هذه الآونة من ابناء الصحوة المباركة و لعلك تلحظ جيدا ذلك فى بعض السلوكيات المزعجة لبعض الملتزمين و التى قد نعبر عنها اجمالا بغياب ادبيات و اخلاقيات التعامل بين ابناء الصحوة عموما و بين العالم و المتعلم خصوصا فنرى كثيرا ممن ينسبون الى طلب العلم يجترؤن على العلماء و يقعون فى اعراضهم فى ظاهرة مؤسفة لم تكن لتظهر لو كان هناك مربى يربى طالب العلم على الأدب مع العلماء كما هو حال سلفنا الصالح رضوان الله عليهم اجمعين فقد كان الواحد منهم يأخذ تلميذه ليجلس فى حلقة صاحبه لا ان يعيب العالم صاحبه امام تلاميذه ليحط من قدره او يرميه بأبشع التهم و احط الصفات كما نرى و نسمع فى هذه الآونه بل هناك من ربى اتباعه على الوقوع فى اعراض اهل العلم فإنه لايسلم بعد ذلك من السنتهم و طعنهم فيه و الواقع خير شاهد على ذلك , و الواقع انك تلحظ غياب ابجديات الآداب السلوكية فى تعامل كثير من ابناء الصحوة فيما بينهم خصوصا عند ظهور بعض امارات النبوغ على بعضهم فى اى جانب من جوانب العلم الشرعى او اى منحى من مناحى العمل الدعوى عموما, ولبيان هذا المعنى و توضيحه نقول ان ملازمة طالب العلم لعالم ربانى من علماء اهل السنة و الجماعة او لعدة علماء من علماء اهل السنة و التردد على دروسهم و ثنى الركب فى حلقهم تكسب الطالب اخلاقيات لايمكن ان يجدها فى اى كتاب من كتب العلم مهما كثرة قراءته و تعددت اطلاعاته فهذا المعنى يورثه تواضعا و انكسارا كلما راى شيخه الذى يتعلم منه و ياتى اليه متواضعا لينهل من علمه فأنه يكسر فى نفسه اى صورة من صور العجب و الكبر و التعاظم على الخلق و يشعره دائما بأن فوق كل ذى علم عليم و هذا المعنى لايجده الطالب مكتوبا و لكنه يشعر به و يؤثر فى قلبه و يغير فى سلوكه , ثم انه يرى معلمه و هو يعلم الناس و يربيهم فيتعلم من سلوكه ومن سمته اكثر من تعلمه من قوله فيتربى الطالب و يتعلم فى نفس الوقت ,فياله من موقف رائع عندما يقف الطالب بين يدى معلمه يوجهه و ينصحه و يبين له الصواب من الخطأ و ما احوج طالب العلم الى هذا الموقف و خصوصا من يمارس الدعوة الى الله و قد تصدر للناس يعظهم و يعلمهم يحتاج الى هذا الموقف حتى يتربى على قبول التوجيه و النصح من الآخرين فإننا لايمكن ان نرى كل عيوبنا فإن المرء دائما ما ينظر الى نفسه بعين الرضا ومثل هذه الوقفات توضح العيوب و تجليها و تجعل طالب العلم صاحب نفس و نفسية طيعة تقبل النصح بل و التوجيه من الآخرين و عينه على الحق فأينما و جده اخذ به و انقاد له , وما نراه الآن فى واقع الصحوة من عدم قبول النصح و التعالى على الإنقياد للحق و التعاظم على قبول النصيحة من الغير اى كان هذا الغير سواء كان ممن هو اعلى منه او الأقران او حتى ممن هو دونه فى المنزلة و المكانة انما هو اثر من اثار غياب هذا النوع من التربية عن طريق الملازمة من الطالب للعالم لفترات طويلة و انا اقول لفترات طويلة لإن افات النفس لاتظهر دفعة واحدة فى الغالب و انما تظهر فى بعض المراحل دون بعض و فى بعض الأوقات دون بعض لذا يحتاج الطالب الى الرعاية و التوجيه خصوصا عندما تظهر آفة جديدة لم تكن موجودة قبل ذلك , كل هذا يجده الطالب فى المصاحبة و الملازمة بل الأكثر من ذلك ان طول الصحبة يعطى الفرصة كاملة للعالم كى يتأكد من رسوخ قدم تلميذه فى العلم من خلال ما يعقده له من اسئلة و امتحانات قد تكون احيانا علمية و احيانا سلوكية , فالطالب الذى يبرز و لايكون له شيخ يعلمه و يكون شيخه كتابه فخطأه اكثر من صوابه و من يبرز من طلبة العلم فى اى جانب من جوانب الدعوة فينقطع عن طلب العلم و مجالسة العلماء فإن هذا ايذان بالتقهقر و الإفلاس فما زال الطالب يرى شخه و هو يقول فى بعض المسائل الله اعلم , فإن هذه الكلمة عندما يقولها الشيخ امام تلاميذه فإن فيها تربية لهم على عدم التقول على الله بغير علم و على تعظيم امر الفتوى و انه لاينبغى ان يتكبر على قول الله اعلم و ان بحر العلم غويط لا ساحل له , يالها من معانى انى يجدها المتعلم فى الكتب ,نعم قد يجد هذا الكلام منقول نصه عن العلماء الأجلاء الكبار فى كتب الأدب و التربية و لكن تأثير الموقف على النفس مختلف و ليس المخبر كالمعاين , فنظر الطلاب متعلق بشيخهم و عالمهم ينظرون اليه و يتأدبون بأدبه و يأخذون من علمه حتى بعد ان يترقى الطالب فى طلب العلم يحتاج الى هذه المصاحبة فإن النفس دائما تحتاج الى من يذكرها كما قال تعالى " فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " و انظر الى حال السلف كيف كان الواحد منهم تطول صحبته بشيخه حتى يتأدب الأدب الجم و تظهر على سلوكه علامات التواضع و الإخبات ففي الصحيحين وغيرهما عن حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال : (مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فلا أستطيع أن أسأله هيبة)، ويروى نحو ذلك عن بعض الصحابة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن الشعبي قال ذهب زيد بن ثابت ليركب ووضع رجليه في الركاب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال: تنح يا ابن عم رسول الله، قال: (لا، هكذا يفعل بالعلماء والكبراء)، بل قال أبو بكر محمد بن علي الأدفوي: (إذا تعلم الإنسان من العالم، واستفاد منه الفوائد، فهو له عبد، قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] وهو يوشع بن نون، ولم يكن مملوكا له، وإنما كان متلمذا له، متبعا له، فجعله الله فتاه لذلك)، وعن طاووس قال: (من السنة أن يوقر العالم). قال الحسين بن علي لابنه: (يا بني، إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت).
وفي وصية أبيهم علي - رضي الله عنه - المأثورة يقول: (من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته بالجواب وأن لا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلسن أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته).
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، و يعرف لعالمنا حقه).
فاعلم يا أخي الكريم أن تواضع المتعلم للمعلم رفعة، وذله له عز، وخضوعه له فخر، وكما جاء عن الشافعي: (كنت أتصفح الورقة بين يدي مالك برفق، لئلا يسمع وقعها)!!.
وقال الربيع تلميذ الشافعي: (والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر)!!.
وفي مناقب أبي حنيفة للموفق الخوارزمي، روى عن أبى حنيفة أنه قال: (ما مددت رجلي نحو دار أستاذي حماد إجلالاً له، وكان بين داري وداره سبع سكك، وما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والديَّ، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه أو علمني علمًا).
وقال أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة: (إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أبَوَيَّ).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: (ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي؟ فإني سمعتك تكثر من الدعاء له، فقال: (يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، والعافية للناس، فانظر هل لهذين من خَلَف، أو عنهما من عِوَض؟).
وقال الإمام الغزالي في الإحياء في بيان وظائف المرشد المعلم: (حق المعلم أعظم من حق الوالدين، فإن الوالد سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية، والمعلم – أعني الدال على الخير والآخرة – سبب الحياة الباقية، ولولا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم، وإنما المعلم هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة، فأبو الإفادة أنفع من أبي الولادة).
فيا أخي الكريم، تأدُّب الطلبة مع شيوخهم حق ودين، والدنيا كلها ظلمة إلا مجالس العلماء كما قال الحسن البصري، وقال سهل بن عبد الله: (من أراد النظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء).
وحتى لا يطول بنا الحديث، فأنصحك أخي الكريم بالآتي:
- أن يكون لك شيخ، وأن تتأدب بأدبه، وأن تتواضع له؛ لأن الناس يحتاجون إلى العلم بقدر عدد أنفاسهم، وهناك قاعدة تقول: (إذا أعطيت كُلَّك للعلم لم يعطك العلم إلا بعضه، وإذا أعطيت بعضك للعلم لم يعطك العلم شيئًا)!!.
- أن يكون طلبك من وراء العلم ابتغاء وجه الله تعالى، ولذا يقول بعض السلف: (طلبنا العلم لغير الله، فأبى العلم إلا أن يكون لله)، وأن تستحضر الإخلاص لله فى كل كلمة تكتبها او تتعلمها .
أن تصبر على شدائد المعلم في سبيل أن تحصل على ما عنده من العلم.
- يشترط في المعلم أن يكون عاملاً بعلمه، وأن يجمع بين علمَي الدنيا والآخرة، وأن يكون شديد الخشية لله عز وجل، (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) وأن يربط تلامذته بالحياة الآخرة.
وفى آخر المقام نسأل الله جل وعلى ايعلمنا ما ينفعنا و ينفعنا بما علمنا و ان يرزقنا العمل فى رضاه هو ولى ذلك و القادر عليه و ان يكثر فى الأمة العلماء العاملين الذين يربون المسلمين على مايحبه و يرضاه و ىخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين و الصلاة و السلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
مصاحبة العلماء و اثرها فى التربية
5:08 م
الشيخ / محمد القاضي
0 التعليقات:
إرسال تعليق